الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

أذكي من إياس بن معاوية

أذكي من إياس بن معاوية:
...............................
وُلِد إياسُ بن معاوية بن قُرِّةَ المزني سنة 46 للهجرة في منطقة اليمامة في نجد، وانتقل مع أسرته إلى البصرة، وبها نشأ وتعلَّم، وتردَّد على دمشق في يفاعته، وتعلم على يد من أدركهم من الصحابة الكرام وجُلَّة التابعين، ولقد ظهرت على الغلام المزني أماراتُ الذكاء منذ نعومة أظفاره، وأكبَّ هذا الفتى على العلم، ونهل منه ما شاء اللهُ أن ينهل، وشاعت أخبارُ ذكاء إياس، وذاعت وصار الناسُ يأتونه من كل حدب وصوب، ويلقون بين يديه ما يعترضهم من مشكلات في العلم والدين.

و من المواقف التي دلت على ذكاءه :
1-لما ولِيَ القضاءَ جاءه رجلان يتقاضيان عنده، فادَّعى أحدُهما أنه أودع عند صاحبه مالا، فلما طلبه منه جحده، فسأل إياسُ الرجلَ المدَّعَى عليه عن أمر الوديعة فأنكرها، وقال : "إن كانت لصاحبي بيِّنة فليأتِ بها، وإلا فليس له عليَّ إلا اليمين، لا يوجد بيِّنة"؛ فلما خاف إياسٌ أن يأكل الرجلُ المالَ بيمينه التفت إلى المودِع، وقال له : "في أيِّ مكان أودعته المالَ ؟" أي أعطيته.
قال : "في مكان كذا".
قال : "و ماذا يوجد في ذلك المكان ؟".
قال : "شجرة كبيرة جلسنا تحتها، وتناولنا الطعام معًا في ظلِّها، ولما هممنا بالانصراف دفعتُ إليه المالَ".
فقال له إياسٌ : "انطلِق إلى المكان الذي فيه الشجرة فلعلَّك إذا أتيتها ذكَّرتك أين وضعت مالك، ونبَّهتْك إلى ما فعلته به" ؛ فجعل المدَّعي يذهب إلى الشجرة، و أوهمَ المتَّهم أنه بريء، اذهب أيها الرجل إلى الشجرة فلعلك نسيت المالَ هناك، هذا بريء، ثم عُد إليَّ لتخبرني بما رأيت".
فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدَّعى عليه : "اجلس إلى أن يجيء صاحبُك".
فجلس، ثم التفت إياس إلى من عنده من المُتقاضين، وطفق يقضي بينهم، وهو يرقب الرجل بطرفٍ خفيٍّ، حتى إذا رآه قد سكن و ارتاحت نفسُه وكأنه صار بريئا، التفت إليه وسأله على عجل : "أتقدِّر أن صاحبك قد بلغ الموضع الذي أعطاك فيه المال ؟".
قال له : "لا؛ إنه بعيد من هنا".
فقال له إياس : "يا عدوَّ الله تجحد المالَ، وتعرف المكان الذي أخذته فيه!! ".
فبُهِت الرجل، وأقرَّ بخيانته، فحبسه حتى جاء صاحبُه، وأمره بردِّ وديعته إليه.
....................................
2-أنه ذات مرة سمع نباح كلب لم يره، فقال: "هذا نباح كلب مربوط على شفير بئر"، فنظروا فكان كما قال، فقيل له: "كيف عرَفت ذلك؟"، فقال: "سمعت عند نباحه دوياًّ من مكان واحد، ثم سمعت بعده صدى يجيبه فعلمت أنه عند بئر".
................................
3-رُوِي أن دهقانا أتى مجلسه, فقال: "يا أبا وائلة، ما تقول في المسكِر؟ ".
قال: "حرام".
قال: "ما وجهُ حرمته؟ أقنعني، وهو لا يزيد عن كونه ثمرا وماءً, غُلِيا على النار فصار خمرًا، وكل ذلك مباح لا شيءَ فيه، فلماذا هو حرام؟".
فقال إياسُ: "أفرغتَ من قولك يا دهقانُ، أم بقيَ لديك ما تقوله؟".
قال: "بل فرغتُ".
قال: "لو أخذتُ كفًّا من ماء وضربتُك به, أكان يوجعك؟".
قال: "لا".
قال: "لو أخذتُ كفًّا من تراب وضربتُك به, أكان يوجعك؟".
قال: "لا".
قال: "لو أخذتُ كفًّا من تِبنْ فضربتك به, أكان يوجعك؟".
قال: "لا".
قال: "لو أخذت الترابَ، ثم طرحتُ عليه تبنا، وصببتُ فوقه الماءَ، ثم مزجتهما مزجا، ثم جعلتُ الكتلة في الشمس حتى يبست، ثم ضربتك به، أكان يوجعك؟".
قال: "وقد تقتلني به".
قال: "هكذا شأنُ الخمر، فهو حينما جُمِعَت أجزاؤه خُمِّر فأصبح حراما، كما أن الماء و التراب والتبن لو ضربتك به لا تُؤذى، أما إذا جمعتُ هذه العناصر الثلاثة، ويبَّستها في الشمس, فأصبحت كتلةً قاسية، ورميتُك به, قال: "قد تقتلني".
، قال: "هكذا الخمر" .

ليست هناك تعليقات: