الخميس، 3 سبتمبر 2015

وفاء كلب

أنشد أبو الحسن بن خَالويه عن أبي عُبيدة لبعض الشعراء:
يُعرِّد عنه جارُه و شقيقُه..... و ينبِش عنه كلبُه وهو ضاربه..
قال أبو عُبيدة: قيل ذلك لأن رجلا خرج إلى الجبّان ( المقابر)  ينتظر رِكابَه ( الإبل) ،  فاتَّبَعَهَ كلٌّب كان له،  فضرب الكلب َ وطرده،  وكره أن يتبعه،  فلمَّا صار إلى الموضع الذي يريد فيه الانتظار رَبَضَ( جلس) الكلبُ قريبا منه، فبينما هو كذلك إذ أتاه أعداءٌ له يطلبونه بطائلة لهم عنده ( عداوة)، وكان معه جارٌ له و أخوه دِنْيا ( الأدنى في القرابة، يُقال ابن عمه دِنْيا)  فأسلماه و هربا عنه، فجُرح جِراحات، و رُمي به في بئر غير بعيدة القَعْر،  ثم حُثي عليه التراب،  ثمَّ غُطَّي رأسه،  ثم كُمَّم فوق رأسه منه ( غُطَّي رأسه بالتراب) .
والكلب في ذلك يَرخُم( يعوي) و يهِرُّ ( ينبح)،  فلمَّا انصرفوا أتى رأس البئر،  فمازال يَعوِى و ينبِش عنه و يحثو التُّراب بيديه،  و يكشف عن رأسه حتى أظهر رأسه،  فتنفّس و ردَّت إليه الرُّوح،  وقد كاد يموت،  ولم يبق منه إلا حُشاشة،  فبينما هو كذلك إذ مرّ ناس فأنكروا مكان الكلب،  و رأوه كأنه يحفر عن قبر،  فنظروا فإذا هم بالرجُل على تلك الحال، فاستشالوه
( رفعوه)  فأخرجوه حيًا،  وحملوه حتى أدَّوه إلى أهله...
وهذا العمل يدلُّ على وفاءٍ طبيعي،  و إلفٍ غزيزي،  و محاماة شديدة،  وعلى معرفةٍ و صبر،  وعلى كرم و شُكر، وعلى غناء عجيب،  و معرفةٍ تفوق المنافع،  لأن ذلك كلَّه من غير تكلّف ولا تصنَّع..