الجناس في الأمثال العربية القديمة
يلمح المتأمل في الأمثال كثرة استخدامها لظاهرة الجناس، فكأن" هذه الظاهرة_ إحدى الركائز التي تقوم عليها بنية المثل الصوتية، بما يضمن لها بنية إيقاعية تساهم في تداولها وسيرها، بيد أنه يلاحظ اتساع ورود الجناس غير التام، وانحسار الجناس التام فيها إلى درجة الندرة.
فرغم وضوح الإيقاع في الأمثال، واكتنازها بأشكال متنوعة منه، فإنها لا تميل إلى الجناس التام، ولعل ارتباط إنتاج المثل بالشفافية التي تتميز عادة بالعقوبة التلقائية وعدم حاجتها للتريُّث والتأمل التي تتسم بهما الكتابية، يوضح علة كثرة ورود الجناس التام، إذ إن تحقق الجناس التام يتطلب شروطا معينة لا يكون تاما إلا عند وفرتها، فهو " ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أربعة أشياء: نوع الحروف، وعددها ، وهيئاتها الحاصلة من الحركات والسكنات وترتيبها، مع اختلاف المعنى"، ولعل هذا يتعارض بشكل ما مع طبيعة العقلية التي أنتجت الأمثال الشفاهية، إذ يحتاج إنتاج الجناس التام إلى تفكر وتدبر وتأمل، فليس من السهل تحقيق الأشياء الأربعة المذكورة عند إنتاج جملة شفاهية تطلبها موقف ما عند لحظة محددة. ولذا لا نجد مبالغات في التصنيع في العصور المتقدمة، إذا ما قورنت بالصور المتأخرة أي بالفترة الكتابية اللاحقة وتحديدا في العصر العباسي الثاني، حيث انتشرت ظاهرة التصنيع، ومالت المؤلفات إلى التصنيع الطبيعي المتكلف، مثلما نجد في المقامات على سبيل المثال، ويرجح أن تكون ظاهرة التجنيس/ الجناس قد ارتبطت بالإنتاج العقلي المتأني، وبالكتابية دون الشفاهية، وخصوصا في صيغة الجناس التام المتكرر بصورة قصيدة في النصّ .
والجناس غير التام هو " ما اختلف فيه اللفظان في واحد أو أكثر من الأربعة السابقة، ويجب ألا يكون بأكثر من حرف. واختلافهما يكون إما بزيادة حرف في الأول أو في الوسط أو في الآخر. " انظر الميداني .
وتبدو إمكانية إنتاج هذا النوع من الجناس أكثر حرية، وأقرب إلى طبيعة الصياغة الشفاهية.
بعض أمثلة الجناس غير التام:
غيضٌ من فيض
الجناس غير التام يتمثل في اللفظتين ( غيض، فيض ) وهنا تتوافقان في الحروف عدا الحرف الأول منهما، كما تختلفان في الدلالة، فالغيض هو النقصان، والفيض هو الزيادة ، أي أنهما لفظان متضادان، ويُقصد بالمثل: قليلٌ من كثير. "
جزء من كتاب الأمثال العربية القديمة
دراسة أسلوبية سردية حضارية
تأليف د.أماني سليمان داود
الطبعة الأولى ٢٠٠٩
المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق